وهو الحزم عندنا، ولا تقف السّياسة على ما نطق به الشّرع إذ الخلفاء الرّاشدون قتلوا ومثّلوا وحرقوا المصاحف ونفى عمر نصر بن الحجاج، ولينل من عرضه مثل أن يقول له: يا ظالم، يا معتدي، وبإقامته من المجلس، والذين قدروا التّعزير من أصحابنا إنّما هو فيما إذا كان تعزيرًا عامًا من فعلٍ أو تركٍ. فإن كان تعزيرًا لأجل ترك ما هو فاعلٍ له فهو بمنْزلة قتل المرتدّ والحربي والباغي، وهنا تعزير ليس يقدر بل ينتهي إلى القتل كما في الصّائل الآخذ للمال يجوز أن يمنع مع الأخذ ولو بالقتل، وعلى هذا فإن كان المقصود دفع الفساد ولم يرتدع بل استمرّ على الفساد فهو كالصّائل الذي لا يندفع إلّا بالقتل فيتقل، ويمكن منه التّجسس، وقد ذكر شيئًا من هذا الحنفية والمالكية وإليه يرجع قول ابن عقيل: وهو أصل عظيم في صلاح النّاس، وكذا طلب الفعل فلا يزال يعاقب حتّى يفعل.
والتّعزير بالمال سائغ إتلافًا وأخذًا، وهو جار على أصل أحمد؛ لأنّه لم يختلف أصحابه في أنّ العقوبات في المال غير منسوخة كلّها، وهو قول الشّيخ أبي محمّد المقدسي، ولا يجوز أخذ ماله وهو المعزر فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظّلمة.
والتّعزير يكون على فعل المحرّمات وترك الواجبات، فمن جنس ترك الواجبات: من كتم ما يجب بيانه؛ كالبائع المدلِّس، والمؤجِّر، والنّاكح، وغيرهم من المعاملين، وكذا الشّاهد، والمخبِر، والمفتِي والحاكم، ونحوهم، فإنّ كتمان الحقّ شبيه بالكذب، وينبغي أن يكون سببًا للضّمان، كما أنّ الكذب سبب للضّمان.