لأرميَنّها بين أكتافكم. وقضى عمر بن الخطاب على محمّد بن مسلمة أن يجري ماء جاره في أرضه. وقال: ليمرّن ولو على بطنك. وفي الإجبار على ذلك روايتان عن أحمد، ومذهب أبي ذرّ الإجبار على إجراء المال بأرض جاره إذا أجراه في قتاة في باطن أرضه. نقله عنه حرب الكرماني.
ومما ينهى عن منعه للضّرر الماء والكلأ، وذكر حديث أبي هريرة وغيره، ثم قال: وذهب أكثر العلماء إلى أنّه لا يمنع الماء الجاري والنّابع مطلقًا سواء قيل إنّ الماء لمالك أرضه أم لا؟
ومِمَّا يدخل في عموم قوله:"لا ضرر ولا ضرار"، أنّ الله لم يكلّف عباده ما يضرّهم البتة، فإنّ ما يأمرهم به هو عين صلاح دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عين فسادهم في دينهم ودنياهم، لكنه ما يأمر عباده بشيءٍ هو ضارّ لهم في أبدانهم أيضًا، ولهذا أسقط الطّهارة بالماء عن المريض، وأسقط الصّيام عن المريض والمسافر، وأسقط اجتناب محظورات الإحرام عمّا كان مريضًا أو به أذى من رأسه وأمره بالفدية.
ومِمَّا يدخل في عمومه أيضًا أنّ مَن عليه دَين لم يطالب به مع إعساره بل ينظر إلى حال يساره. انتهى كلام ابن رجب ملخّصًا في الفتح المبين في الكلام على هذا الحديث.
وينبنِي عليه - يعنِي على القاعدة المشهورة - أنّ الضّرر يزال في كثيرٍ من أبواب الفقه؛ كالرّدّ بالعيب، وجميع أنواع الخيار من إخلاف الوصف المشروط والتّعزير وإفلاس المشتري وغير ذلك، والحجر بأنواعه والشّفعة؛ لأنّها شرعت لدفع ضرر القسمة، والقصاص والحدود، والكفارات، وضمان المتلف، ونصيب الأئمة والقضاة، ودفع الصّائل، وقتال المشركين والبغاة، وفسخ النّكاح بالعيوب أو الإعسار والقسمة. انتهى.