وقال عبد الرّحمن الحضرمي الشّافعي في شرح الأربعين في الكلام على هذا الحديث: فائدة: يؤخذ من هذا الحديث قاعدتان عظيمتان وهما: رعاية المصالح ودرء المفاسد، ويتفرّع منهما أيضًا قواعد أخرى كقولهم: الضّرر يزال، وقولهم: إذا ضاق الأمر اتّسع، والمشقّة تجلب التّيسير والضّرر يبيح المحظورات، وما أبيح للضّرورة يقدّر بقدرها، والضّرر لا يزال بالضّرر، وقولهم: يراعى أخف الضّررين، ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، والحاجة، أو العامّة، أو الخاصّة تُنَزَّل مَنْزلة الضّرورة. وكلّ واحدةٍ من هذه القواعد لها فروع منتشرة في كتب الفقه لا يمكن حصرها. انتهى.
السّؤال الثّاني: ما معنى قوله -عليه السّلام-: "الأرواح جنود مُجَّنَّدةٌ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"؟
فالجواب: قال النّووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: "الأرواح جنود مُنَجَّدةٌ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". قال العلماء معناه: جموع مجتمعة وأنواع مختلفة.
أمّا تعارفها فهو لأمرٍ جبلها الله عليه، وقيل: إنّها موافقة صفاتها التي خلقها الله تعالى عليها وتناسبها في شبهها، وقيل: لأنّها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمَن وافق قسيمه ألفه، ومَن باعده نافره وخالفه. قال الخطابي وغيره: تألّفها هو ما خلقها الله عليه من السّعادة والشّقاوة في المبتدأ، وخلقت الأرواح قمسين متاقبلين من ائتلافٍ واختلافٍ.