الرّابعة: إذا كان لرجلٍ على آخر طعام فلم يجد عنده ما يوفيه فأعطاه دراهم على السّعر عن الطّعام الذي في ذمّته هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذلك. وهو قول جمهور العلماء. قال في المغنِي والشّرح: لا نعلم فيه خلافًا. أعنِي إذا كان الطّعام سلمًا أو مبيعًا، وإن لم يكن سلمًا، فأمّا إن كان عمارة نخل أو قرضًا أو أجرة أو قيمة متلف، فهذا يجوز لصاحبه أن يأخذ ثمنه مِمَّن هو في ذمّته بشرط قبضه في المجلس، لئلا يكون بيع دَينٍ بدَينٍ؛ لأنّه ليس مبيعًا. وأمّا السّلم والمبيع فلا يجوز بيعه قبل قبضه ولو لبائعه. وذلك لصحّة الأحاديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالنّهي عنه. فثبت في الصّحيحين عنه -صلّى الله عليه وسلّم- قال:"مَن ابتاع طعامًا فلا يبعه حتّى يستوفيه". وفي لفظٍ في الصّحيحين:"فلا يبعه حتّى يكتاله". فإذا باعه ربّ الدَّين لبائعه قبل قبضه فقد خالف النّصوص الواردة عن النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من وجهين:
أحدهما: أنّه باعه قبل قبضه، والنَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نهى عن بيع الطّعام قبل قبضه، ولم يفرّق بين بيعه لِمَن هو عليه وبين غيره، ومَن زعم أنّ بيعه لِمَن هو عليه جائز فعليه الدَّليل الذي يخصّص العموم وإلّا فلا يجوز مخالفة السّنة الثّابتة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لقول أحدٍ من النّاس.
الثّاني: أنّه قد ثبت في السّنن عن النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه نهى عن ربح ما لم يضمن، فإذا باعه لبائعه بربح فقد ربح فيما لم يضمن؛ لأنّه لا يدخل في ضمانه إلّا بعد قبضه فيصير هذا الرّبح حرامًا. وقد أخذ جمهور العلماء بظاهر الأحاديث الثّابتة عن النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في النّهي عن بيع الطّعام قبل قبضه وأجروها على ظاهرها وعمومها وشمولها للبائع وغيره حتّى إنّهم منعوا من الاعتياض عن المسلم فيه فقالوا: لا يجوز أن يأخذ عنه عوضًا ولا يستدلّ به، واحتجوا