لذلك بما روى أبو داود وابن ماجه عن النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال:"مَن أسلم في شيءٍ فلا يصرفه إلى غيره". وغاية ما يحتج به مَن أجاز بيعه لبائعه قبل قبضه كلام الشّيخ تقيّ الدّين رحمه الله الذي حكاه صاحب الإنصاف وغيره نّه أجاز ذلك، واحتجّ بكلام ابن عبّاس الذي رواه عنه ابن المنذر.
ومثل هذا لا تعارض به النّصوص الصّحيحة عن النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في منع بيع الطّعام قبل قبضه، والشّيخ -رحمه الله تعالى- من الأئمة المجتهدين، لكن إذا خالف كلامه الحديث الصّحيح وجب الأخذ بالحديث دون ما خالفه. وما أحسن ما قال الشّافعي -رضي الله عنه-: إذا صحّ الحديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط.
ومعلوم أنّ الشّيخ -رحمه الله- قد اطّلع على هذه الأحاديث في النّهي عن بيع الطّعام قبل قبضه وأنّه تأوّلها، لكن إذا لم نعلم وجه تأويله ولم يتبيّن لنا رجحان دليله لم يجز لنا أن نخالف هذه الأدلّة الثّابتة عن النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في النّهي عن بيع الطّعام قبل قبضه. بل نجريها على عمومها للبائع وغيره حتّى يثبت عندنا دليل راجح يخصّص هذا العموم وإلّا فلا يجوز لنا أن نتركها تقليدًا للشّيخ -رحمه الله- ولا غيره. بل يجب اتّباع النّص. فإذا أفتى بعض المفتين بخلافها وعارض الأحاديث بكلام الشّيخ وكلام ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أجيب بما أجاب به ابن عبّاس لِمَن خالفه في مسألة المتعة حيث يقول: يوشك أن تنْزل عليكم حجارة من السّماء، أقول: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، وأبلغ من هذا في الزّجر عن مخالفة النّصوص لقول بعض العلماء قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، [النّور، من الآية: ٦٣].
كما استدلّ بها الإمام -رحمه الله- فقال: عجبت لقومٍ