وأمّا ما يدلّ على أنّه في الثّاني فقال ابن ماجه في سننه: حدّثنا عمر بن رافع حدّثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزّهري عن سعيد بن المسيب عن بلال أنّه أتى النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يؤذن بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال:"الصّلاة خير من النّوم". فأقرّت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك. صحيح الإسناد. وفيه انقطاع، ووجه الاستدلال به على أنّه في الثّاني أن بلالًا إنّما كان يؤذّن للنَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالصّلاة بعد طلوع الفجر، فإنّه إذا طلع الفجر جاءه بلال فأذنه بالصّلاة، لا يقال إنّ هذه في أذان بلال، وبلال إنّما كان يؤذّن قبل الفجر كما في الصّحيح:"إنّ بلالًا يؤذّن بليلٍ"، لأنّ ذلك في بعض الأوقات لا في كلّ السّنة، يدلّ على ذلك ما روى سعيد بن منصور في سننه، قال: حدّثنا أبو عوانة عن عمران بن مسلم، قال: قال سويد بن غفلة اذهب إلى مؤذننا رباح فمره أن لا يثوب إلّا في صلاة الفجر بعد الفجر، إذا فرغ من أذان الفجر فليقل: الصّلاة خير من النّوم، الصّلاة خير من النّوم، وليقل في آخر أذانه وإقامته: لا إله إلّا الله، والله أكبر. هذا أذان بلال. فهذا مرسل يدلّ على أنّ بلالًا يؤذّن بعد الفجر وأنّه يثوّب في أذانه.
وقال ابن أبي شيبة: حدّثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أنّ النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال:"لا يؤذن حتّى يرى الفجر هكذا". ومد يديه: حدّثنا أبو خالد عن حجاج عن طلحة عن سويد عن بلال، قال: كان لا يؤذّن حتّى ينشق الفجر، فهذا يدلّ على أنّ بلالًا كان يؤذّن بعض الأوقات بعد طلوع الفجر بلا ريب، وأيضًا فإنّه كان يسافر ويغزو مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حيث لا يوجد ابن أمّ مكتوم، وكان هو المؤذّن فلا بدّ