للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منفصل، ولا أنه لا تجوز إليه الإشارة الحسية؛ بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقول: "ألا هل بلغت فيقولون نعم فيرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول: اللهم اشهد "غير مرة. فإن كان الحق فيما يقوله هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصا وإما ظاهرا، لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير؛ بل كان وجود الكتاب والسنة ضررا محضا في أصل الدين. فكيف يجوز على الله، ثم على رسوله، ثم على الأمة، أنهم يتكلمون دائما بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق؟ ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به، ولا يدلون عليه حتى يجيء أنباط الفرس، وفروخ الفلاسفة، فيبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف وفاضل اعتقادها، وهم مع ذلك أحيلوا في معرفتها على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا بمقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصا، أو ظاهرا؟ يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر ولا أحد من سلف الأمة: هذه الأحاديث والآيات لا تعتقدوا ما دلت عليه! لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم؛ فإنه الحق وما خالفه فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه، وما لا فتوقفوا فيه وانفوه؟ ثم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن أمته ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة فقد علم ما سيكون في أمته من الاختلاف، ثم قال: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله" ١. وروي أنه قال في صفة الفرقة الناجية هو "من كان على


١ الترمذي: المناقب (٣٧٨٨) , وأحمد (٣/ ١٤ ,٣/ ٢٦ ,٣/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>