ظواهر هذه الصفات في حق المخلوقين إما جوهر محدث، وإما عرض قائم كالعلم، والقدرة، والكلام، والمشيئة، والرحمة، والرضى، والغضب، ونحو ذلك في حق العبد أعراض، والوجه واليد والعين في حقه أجسام.
فإذا كان الله موصوفا عند عامة أهل الإثبات بأن له علما، وقدرة وكلاما، ومشيئة، وإن لم تكن أعراضا يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين، جاز أن يكون وجه الله ويداه ليست أجساما يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين؛ وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضح لمن هداه الله؛ فإن الصفات كالذات.
فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات، فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقين. فمن قال: لا أعقل علما ويدا إلا من جنس العلم واليد المعهودة، قيل له: فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته، وتلائم حقيقته. فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوقين فقد ضل في عقله ودينه، وما أحسن ما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى أو كيف ينْزل إلى سماء الدنيا أو كيف يداه أو نحو ذلك، فقل له: كيف هو في نفسه فإذا قال: لا يعلم هو إلا هو، وكنه الباري غير معقول للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف؛ فكيف يمكن أن يعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي ١. بل هذه المخلوقات في
١ قوله على الوجه الذي ينبغي إلخ – كذا في الأصل وهو غير ظاهر.