والنّفاق عن الأمّة، وإنّما هذا مثل قوله -صلّى الله عليه وسلّم- فيمن أتى بشرائع الإسلام حيث قال:"وحسابهم على الله تعالى"، ومراد عمر -رضي الله عنه- أن من رأينا عمله حسنًا ولم ير منه ما يعاب أمناه وقرّبناه وحسابه في سريرته إلى الله، ومن رأينا ما يكرهه الله من المعاصي كشرب الخمر وشهادة الزّور والكذب والنّميمة والغيبة وغير ذلك من الذّنوب أو إخلال في فرض لم نأمنه ولم نقرّبه، وإن قال: إنّ سريرته حسنة.
وقوله: من أظهر لنا سوءًا، أي من أطلعنا منه على ذلك وعلمناه ليس مراده أنّه يظهر ذلك ويجاهر به وهكذا كما يقول العلماء في الشّاهد إذا علم منه ما يقدح في شهادته، ردّت شهادته، وإن كان لا يظهر إلّا الخير، وكذا إذا رأينا من ظاهره الخير لكن رأيناه يألف الفسقة أو أهل البدع والضّلال، قلنا هذه خصلة سوء يتّهم بها وإن قال سريرته حسنة.
نقل أبو داود عن الإمام أحمد -رحمه الله- في الرّجل يمشي مع المبتدع لا تكلّمه، ونقل غيره إذا سلم على المبتدع فهو يحبّه، وقال أحمد -رحمه الله- إنّما هجر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الثّلاثة لأنّه اتّهمهم بالنّفاق فكذا كلّ من خفنا عليه وهذا الّذي ينكر وجود النّفاق سببه عدم معرفة الإسلام وضدّه.
وحقيقة النّفاق إظهار الخير وإسرار ضدّه، فإذا كان إنسان عند أهل السّنة يظهر بطلان مذهب الاتّحاديّة والحلوليّة ونحوهم وهو يعتقد في الباطل صحّة بعض هذه المذاهب فهو منافق نفاقًا أكبر، وكذا إذا أظهر تضليل غلاة الرّافضة وهو في الباطن يرى رأيهم فهو منافق، وكذا من اعترف بصحّة هذا الأمر الّذي ندعو إليه وهو التّوحيد وإفراد الله بالعبادة يعترف به ظاهرًا ويبطن خلافه فهو منافق نفاقًا أكبر.