وأمّا قول حذيفة فهو كما روي عنه من وجه آخر أنّه قال المنافقون على عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يخفون نفاقهم وهم اليوم يظهرونه، فمراد حذيقة أنّهم في زمانه تبدو منهم أمارات ظاهرة بخلاف حالهم زمن النّبوّة، وقال: إن كان الرّجل ليتكلّم بالكلمة على عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصير بها منافقًا وإنّي لأسمعها من أحدكم في اليوم في المجلس عشر مرّات.
وسمع حذيفة رجلًا يقول: اللهمّ أهلك المنافقين فقال يا ابن أخي لو أهلك المنافقين لاستوحشتم في طرقاتكم من قلّة السّالكين، وهذا النّافي للنّفاق عن جميع الأمّة قائل بغير علم كاذب وما يدريه أنّه ليس في الأمّة حاضرها وباديها منافق؛ لأنّ من أظهر الإسلام وهو يشكّ في البعث بعد الموت أو في رسالة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- فهو منافق نفاقًا أكبر.
وهل اطّلع هذا المتخرص على قلوب الأمّة شرقًا وغربًا وهل يأمن على نفسه من النّفاق بأن يزيغ الله قلبه إذا زاغ عن الحقّ {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف، من الآية:٥]، وقد أثنى الله سبحانه على الرّاسخين في العلم بسؤالهم إيّاه أن لا يزيغ قلوبهم في قولهم {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران، الآية:٨].
ومن دعاء النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك" فقيل له أوتخاف علينا؟ قال:"نعم، ما من قلب إلّا وهو بين إصبعين من أصابع الرّحمن إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه" ومن دعائه -صلّى الله عليه وسلّم- عند الانتباه من النّوم:"ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني". قيل للإمام أحمد -رحمه الله- ما تقول فيمن لا يخاف النّفاق على نفسه؟ فقال ومن يأمن على نفسه النّفاق؟