قبل الشّروع في المرام مقدمة نافعة إن شاء الله لمن تأملها وعمل بها. قال ابن القيّم في أعلام الموقعين:
(فصل): وكان السّلف من الصّحابة والتّابعين يكرهون الشّروع في الفتوى ويود أحدكم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنّها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسّنة وأقوال الخلفاء الرّاشدين، ثمّ أفتى، وقال عبد الله بن المبارك عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أراه قال في المسجد فما كان منهم أحد يحدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلّا ود أن أخاه قد كفاه الفتيا.
قال ابن عباس أن كل من أفتى النّاس في كل ما يسألون عنه لمجنون وقال سحنون بن سعيد أجسر النّاس على الفتيا أقلهم علمًا اهـ ملخصًا. وقال في كتاب آداب الفتيا اعلم أنّ الأفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل لكنه معرض للخطأ أو الخطر، ولهذا قال المفتي موقع عن الله تعالى قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من النّاس، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالم اتّخذ النّاس رؤساء جهالًا يفتون بغير علم فضلّوا وأضلّوا" رواه الشّيخان، وعن ابن مسعود: عسى رجل أن يقول أنّ الله أمر بكذا أو عني كذا وكذا ويقول الله له كذبت. رواه الطّبراني.
وعن الشّافعي وقد سئل عن مسألة فسكت ولم يجب، فقيل له ألا تجيب؟ فقال حتى أدري أن الفضل في سكوتي أو في الجواب، وعنه أنّه ربّما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها وكان يقول: