للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلبه وجفاوة لبه، فهو كحمار الرحى وثور الحراثة. ولسنا متعبدين بمجرد حفظه، وإنما المقصود الأعظم بإنزاله والتعبد بحفظ ألفاظه هو هداية القلوب، ورجوعها بالاستكانة والخضوع إلى علام الغيوب، وتنزهها عن كل خلق ذميم؛ وعمل دميم، فمن ظفر بذلك مع حفظه فقد ظفر بالكنز الأعظم.

ومن أخذ بالأول فقد أخذ من الكمال ما يستحق بسببه أن يكرم ويعظم، ومن قنع بحفظ ألفاظه وخلا عن تلك المعاني بأن غلا وتجافى فهو بعيد عن الكمال، غير مستحق أن يبلغ به مبالغ الكُّمَّل من الرجال، فهذا -والله أعلم- هو المراد من الحديث. ويؤيد ما ذكرته ما روى أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي: "اقرؤوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به"١.

والمراد من المسح على رأس اليتيم حقيقته، كما بينه آخر الحديث: "من مسح على رأس يتيم ولم يمسح إلا لله، كان له بكل شعرة تمر عليها يده عشر حسنات، ومن أحسن في يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين"٢ وقرن بين أصبعيه. وخص الرأس بذلك لأن في المسح عليه تعظيما لصاحبه، وشفقة عليه، ومحبة له، وجبرا لخاطره، وهذه كلها مع اليتيم تقتضي هذا الثواب الجزيل.

وأما الإحسان إليه فهو أعلى وأجل، وقد ذكر بعده فيه القرب منه صلى الله عليه وسلم في الجنة حتى يكون كالإصبعين، فهو أعظم من إعطاء حسنات بعدد شعر الرأس، وقد روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أردتَ أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم"٣.

[قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ}]

(مسألة) في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ} ١.


١ أحمد (٣/ ٤٢٨).
٢ أحمد (٥/ ٢٥٠).
٣ أحمد (٢/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>