للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرمها السلطان، وتُرِكَتْ المعاملة بها بعد ذلك، فإنه يرجع بقيمتها على من هي عليه، فهذه المسألة مثلها؛ فإذا جعل الواقف نقدا معلوما في أرض ونحوها، ثم حرمه السلطان وتركت المعاملة به، جعل بدله مكانه قيمة تلك الفلوس قبل كسادها.

[اختلاف الراهن والمرتهن في قدر الدين]

(وأما المسألة الثامنة): وهي إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين، فقال الراهن: الرهن في ثمانية، وقال المرتهن: في عشرة؛ ولا بينة لهما، فقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في ذلك: فقال مالك: القول قول المرتهن ما لم يدع أكثر من ثمن الرهن أو قيمته.

وحكي ذلك عن الحسن وقتادة، واختاره الشيخ تقي الدين وابن القيم، قالوا: لأن الله سبحانه جعل الرهن بدلا من الكتابة والشهود التي تنطق بالحق، فلو لم يقبل قول المرتهن في ذلك بطلت التوثقة من الرهن به، وادعى الراهن أنه رهنه على أقل شيء: فلم يكن في الرهن فائدة. ولأن الله أمر بكتابة الدين، وأمر بإشهاد الشهود، ثم أمر بعد ذلك بما تحفظ به الحقوق عند عدم القدرة على الكتابة والشهود وهو السفر في الغالب فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ١ فدل ذلك دلالة بينة أن الرهن قائم مقام الكتابة، والشهود شاهدٌ مخبرٌ بالحق، كما يخبر الكتاب والشهود، فلو لم يقبل قول المرتهن على الراهن في قدر الدين، لم يكن الرهن وثيقة ولا حافظا لدينه؛ ولا بد من الكتابة والشهود، فإن الراهن يتمكن من أخذه منه، ويقول: إنما رهنته على درهم ونحوه. وهذا القول هو أرجح القولين.

والقول الثاني: أن القول قول الراهن، وبه قال النخعي والثوري والشافعي والبتي وأبو ثور وأصحاب الرأي، قالوا: لأن الراهن منكر للزيادة التي يدعيها المرتهن،


١ سورة البقرة آية: ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>