للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السنن من حديث أنس: "الدعاء مخ العبادة"١، وحديث النعمان ابن بشير: "الدعاء هو العبادة"٢ أي: معظمها، وذلك أنه يجمع من أنواع العبادة أمورا سنذكرها -إن شاء الله تعالى-.

وقال -تعالى-: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} ٣، وقال -تعالى-: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ٤. والدعاء في هذه الآية هو الدعاء بنوعيه: دعاء العبادة، ودعاء المسألة، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ٥ والحنيف هو الراغب عن الشرك، المنكر له، وقد فسره ابن القيم -رحمه الله- بتفسير شامل لمدلول لا إله إلا الله فقال: الحنيف المقبل على الله، المعرض عن كل ما سواه، وهذا التوحيد هو الذي أنكره أعداء الرسل من أولهم إلى آخرهم؛ وقد بيّن -تعالى- ضلالهم بالشرك، كما قال -تعالى-: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا} ٦.

[لا بد من توحيد الإلهية والربوبية معًا]

وقال -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ٧، وهذا المذكور في هذه الآية هو توحيد الربوبية. ومشركو العرب والأمم لم يجحدوه، بل أقروا به لله، فصار حجة عليهم فيما جحدوه من توحيد الألوهية، ولهذا قال، بعد هذه الآية: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ٨، وقال -تعالى-: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} ٩.

والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، بل القرآن من أوله إلى أخره يدل على هذا التوحيد مطابقة وتضمنا والتزاما، وهو الدين الذي بعث به المرسلين من أولهم


١ الترمذي: الدعوات (٣٣٧١).
٢ الترمذي: تفسير القرآن (٢٩٦٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٢٨).
٣ سورة الزمر آية: ١٤.
٤ سورة غافر آية: ٢٢.
٥ سورة البينة آية: ٥.
٦ سورة الفرقان آية: ٣.
٧ سورة الأحقاف آية: ٤.
٨ سورة الأحقاف آية: ٥.
٩ سورة الحج آية: ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>