للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهله وضلاله، فإن الله تعالى قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ١ أي: عدلا خيارا؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم المعنيون بهذه الآية أيضا، ومن كان مثلهم من أهل الإيمان لحق بهم. وأما الكفار والمشركون والمنافقون فهم أعداء الأمة الوسط في كل زمان ومكان، ولا يمكن أحد أن يزعم أنهم من الأمة الوسط إلا مثل هذا الجاهل الذي يقول: ليس في الأمة كافر ولا مشرك ولا مبتدع ولا فاسق. فكيف يثبت لهذا إيمان بالقرآن وهو يقول هذه المقالة التي في غاية البطلان والانحراف عن سبيل أهل الإيمان؟ قال الشاعر:

لا تبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه

ويلزمه من هذا القول أن الصحابة أخطؤوا في قتالهم من قاتلوه من العرب وبني حنيفة وغيرهم من فارس والروم؛ لأن الكل ليس فيهم كافر ولا مشرك ولا مبتدع، وكلهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: وكذلك كل من قاتل أهل الكتاب والمجوس والنصارى والمشركين فإنما قاتل الأمة الوسط الخيار، وهلم جرا إلى يومنا هذا.

وعلى هذا القول يلزمه أن من قاتل من خرج عن الشريعة فهو مخطئ، لأنه ليس في الأمة مبتدع ولا مشرك. وأنت تجد مثل هذا تظهر كراهته لمن أمره بمعروف أو نهاه عن منكر على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وتجده محبا لأهل المنكر مواليا لهم، معاديا لأهل المعروف؛ فما رأيت شبيها له إلا رجلا بمصر، رأيته وضع يده على نصراني فقال: هؤلاء أسيادنا. نعوذ بالله من الضلال والخذلان، والخروج عن سبيل أهل الإيمان، ولنذكر ما يزيد هذا المقام.

قال العماد ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره في معنى قول الله تعالى:


١ سورة البقرة آية: ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>