والسنة في إثبات القدر، وهو من أصول الإيمان كما في سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم:"قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. قال: صدقت"١. والآيات والأحاديث في إثباته كثيرة جدا.
والمقصود: أن نفاة القدر من هذه الأمة، وقد صاروا مبتدعة ضُلّالا، ومن كان كذلك فليس من خير أمة أخرجت للناس، بل هم من شر الأمة. صدق الله، وكذب المرتابون.
ثم ظهرت بدعة الجهمية في آخر دولة بني أمية، فجحدوا ما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفاته ونعوت جلاله. وكان أول من أظهر هذه البدعة الجعد بن درهم، فضحى به خالد بن عبد الله القسري -وكان إذ ذاك أميرا على العراق- فقال في خطبته يوم الأضحى: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما. قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- لما ذكر بدعة الجهمية:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ ... ـقسري يوم ذبائح القربان
شكر الضحية كل صاحب سنة ... لله درك من أخي قربان
وفي تلك الدولة، والإسلام ظاهر والسنة ظاهرة وأهلها، كذلك البدعة إذا ظهرت أنكرت، وعوقب أهلها بالقتل تارة، وبالحبس تارة، وبالتعزير. ثم إن جهم بن صفوان أظهر هذه البدعة في دولة بني العباس، فأنكر ذلك العلماء، وكفروه ومن تبعه على بدعته، منهم سفيان الثوري، وأبو حنيفة، والإمام مالك، وخلق كثير من أهل الحديث والفقه، قال ابن القيم -رحمه الله-:
١ البخاري: تفسير القرآن (٤٧٧٧) , ومسلم: الإيمان (٩,١٠) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٩١) , وابن ماجه: المقدمة (٦٤) , وأحمد (٢/ ٤٢٦).