للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويهود وصابئة وفلاسفة، فكان الإسلام في أول ظهوره غريبا، فكان من أسلم منهم واستجاب لله ورسوله غريبا في حيه وقبيلته وقريته وأهله وعشيرته.

وكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعا من القبائل، آحادا منهم، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم، فكانوا هم الغرباء حقا، حتى ظهر الإسلام، وانتشرت دعوته، ودخل الناس فيه أفواجا، ثم أخذ في الاغتراب حتى عاد غريبا كما بدأ؛ بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اليوم أشد منه غربة في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا، وأهله غرباء بين الناس.

وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورياسات، ومناصب وولايات، لا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟! فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم، والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإرادتهم، فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم، وأطاعوا شيخهم، وأعجبوا منه برأيه؟ انتهى.

قلت: فإذا كان هذا في القرن السابع وما قبله، فما بعده أشد غربة للإسلام والسنة؛ وبسبب اشتداد الغربة أنكر الناس على من قام يدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا.

[حديث علي مع اليهودي والنصراني في الافتراق]

فقد ثبتت الأحاديث التي فيها افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ورواها عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>