للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} ١.

وهذا هو الدين الذي دعا إليه شيخنا -رحمه الله- آخر الأعصار، لما اندرست أعلامه، وانمحت آثاره، واتخذ الناس الشرك في العبادة دينا، وأنزلوا حوائجهم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فكيف يملك لهم من الضر والنفع ما لا يملك لنفسه؟ قال تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ٢.

والقرآن من أوله إلى آخره في بيان توحيد العبادة، وهو أظهر شيء في القرآن وأبينه، وقد أشرت إلى سبب خفاء هذا التوحيد على كثير من المتكلمين ومن سلك سبيلهم؛ فلهذا لم ينكروا الشرك الذي وقع في هذه الأمة من عبادة الأشجار والأحجار والطواغيت والجن، فصار هذا الشرك لهم عادة، نشأ عليها الصغير، وهرم عليها الكبير، وهذا هو سبب إنكارهم على من نهاهم عنه.

فمن تدبر ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"٣ تبين له خطأ المغرورين في إنكارهم على من دعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، واشمئزازهم من ذلك.

فلنذكر ما ورد هذا المعنى:

ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "أنتم أشبه الناس ببني إسرائيل، والله لا تدعون شيئا عملوه إلا عملتموه، ولا كان فيهم شيء إلا سيكون فيكم مثله" وفي رواية عنه أنه قال: "أنتم أشبه الناس سمتا وهيئة ببني إسرائيل، تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة، لا يكون فيهم شيء إلا يكون فيكم مثله".


١ سورة الأحقاف آية: ٢١.
٢ سورة المائدة آية: ٧٦.
٣ البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٣٢٠) , ومسلم: العلم (٢٦٦٩) , وأحمد (٣/ ٨٤,٣/ ٨٩,٣/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>