للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحكيم الترمذي: سأله مغفرة من عنده، والأشياء كلها من عنده، ولكن أراد شيئًا مخصوصًا ليس مما تركه للعامة (١).

(وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هما صفتان ذكرتا ختمًا للكلام، على جهة المقابلة لما تقدم؛ فالغفور مقابل لقوله: "اغفر لي"، والرحيم لقوله: "ارحمني".

قال الحكيم الترمذي: هذا عبد اعترف بالظلم، ثم التجأ إليه سبحانه مضطرًا، لا يجد لذنبه ساترًا غيره، ثم قال: وللَّه تعالى رحمة قد عمت الخلق بَرَّهم وفاجرهم، سعيدَهم وشقيهم، ثم له رحمة خص بها المؤمنين، وهي: رحمة الإيمان، ثم له رحمة خص بها المتقين، وهي: رحمة الطاعة للَّه تعالى، وللَّه رحمة خصن بها الأولياء، فالمراد بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوية، وقال الراسخون في العلم: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [آل عمران: ٨]، فسألوه رحمة من عنده، انتهى (٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -بعد ذكره لكلام الحكيم الترمذي الذي ذكرناه-: هذا صورة ما شرحه، ولم يذكر صفة الظلم وأنواعه؛ كما ذكر صفة الرحمة.

قال شيخ الإسلام: والدعاء الذي فيه اعتراف العبد بظلم النفس، ليس من خصائص الصديقين ومن دونهم، بل هو من الأدعية التي يدعو بها الأنبياء -عليهم السلام-، وهم أفضل الخلق، قال اللَّه تعالى عن آدم وحواء: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣]، وقال موسى: {رَبِّ إِنِّيِ


(١) انظر: "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي (٢/ ٣٢٣).
(٢) المرجع السابق، (٢/ ٣٢٣ - ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>