للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض الناس تأول قوله -عليه السلام-: "ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء" بتأويل مستنكر يخرجه عما ذكرناه من الظاهر، والذي يقتضيه الأصل: أنهما إن تساويا، وحصل الرجحان بالعبادات المالية، أن يكون الغني أفضل.

قال: ولا شك في ذلك، وإنما النظر إذا تساويا في أداء الواجب فقط، وانفرد كل واحد بمصلحة ما هو فيه، وإذا كانت المصالح متقابلة، ففي ذلك نظر يرجع إلى تفسير الأفضل؛ فإن فسر بزيادة الثواب، فالقياس يقتضي تفضيل المتعدية على القاصرة.

وإن فسر الأفضل بمعنى الأشرف، بالنسبة إلى صفات النفس، فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق، والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف، فيترجح الفقر؛ ولهذا ذهب الجمهور من الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر على الغني الشاكر؛ لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها، وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغنى، فكان أفضل بمعنى [الأشرف] (١)، انتهى (٢).

وقال القرطبي: للعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال: ثالثها: الأفضل: الكفاف، رابعها: يختلف باختلاف الأشخاص، خامسها: التوقف (٣).

وقال الكرماني: قضية الحديث: أن شكوى الفقراء تبقى بحالها، وأجاب: أن مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا، والنعيم المقيم لهم، لا نفي الزيادة عن أهل الدثور مطلقًا.


(١) في الأصل: "الشرف".
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٩٣ - ٩٥).
(٣) انظر: "المفهم" للقرطبي (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>