للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمرة، والتحلل منها؛ لأنه لا يُنحر إلّا بعد بلوغه محلَّه يومَ النحر (١).

وهذا الحديث دلَّ على أن التَّمتُّع أفضلُ الأنساك الثلاثة، وبه احتجَّ الإمامُ أحمد - رضي الله عنه -.

قال إسحاق بنُ إبراهيم: كان اختيارُ أبي عبد الله - رضي الله عنه - الدخولَ بعمرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو استقبلْتُ من أمري ما استدبَرْتُ، ما سُقْتَ الهَدْيَ، ولأحْلَلْتُ مَعَكُمْ"، قال: وسمعتهُ يقول: العمرةُ كانتْ آخرَ الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن في "الصحيحين" وغيرهما من طرق: أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أمرَ أصحابه لما طافوا وسعَوْا أن يجعلوها عُمرةً، إلّا من ساقَ هديًا، وثبتَ على إحرامه، لسوقه الهديَ، وتأسَّف بقوله: "لو استقبلْتُ من أمري ما استدبرتُ" الحديث، ولا يقرُّهم إلّا إلى الأفضل، ولا يتأسَّفُ إلّا عليه (٢).

فإن قيل: إنما أراد - صلى الله عليه وسلم - تطييبَ قلوب أصحابه؛ لأنه كان يشقُّ عليهم أن يحلُّوا وهو محرِم، ولم يعجبْهم أن يذهبوا بأنفسِهم ويتركوا الاقتداءَ به، فقال لهم ذلك، لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضلَ في حقهم ما دعاهم إليه، فالتأسُّف إنما هو لأجل تأليفِ قلوبهم، ليفعلوا ما أُمروا به مع الانشراح (٣).

فالجواب: هذا عدولٌ عن الظاهر، مع العلم بتمام نصح النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لا يأمر أُمَّته إلّا بخير ما أمر به، ثمّ إنكم حيث سلمتم أنَّه الأفضلُ في حقهم،


(١) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(٢) انظر: "الفروع" لابن مفلح (٣/ ٢٢٢).
(٣) انظر: "معالم السنن" للخطابي (٢/ ١٦٢)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٤/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>