مع الركب قبل الطواف، وكانت قد طافت طوافَ القدوم، وسعت بعده.
فهؤلاء أربعةُ أصناف، فلما اشتدَّ الأمر بهنَّ، وخفن أن يحرم تزويجهن، ووطء المزوجة منهن، ويرجعن بلا حج، وقد أتين من البلاد البعيدة، وقاسين المشاقَّ الشديدة، وفارقن الأولاد والرحال، وخاطرن بالأنفس، وأنفقن الأموال، كثر منهنَّ السؤال، وقد قاربت عقولُهن الزوال، هل من مخرج عن هذا الحرج، وهل مع الشدة من فرج؟
قال: فسألت الله التوفيق والإرشاد، إلى ما فيه التيسيرُ على العباد، من مذاهب العلماء الأئمة، الذين جُعل اختلافُهم رحمةَ الأمة، فظهر لي الجواب، والله أعلمُ بالصواب: أنَّه يجوز تقليدُ كلِّ واحد من الأئمة الأربعة - رضي الله عنهم -، ويجوز لكل أحدٍ أن يقلِّد واحدًا منهم في مسألة، ويقلد إمامًا آخر منهم في مسألة أخرى، ولا يتعين عليه تقليدُ واحدٍ بعينه في كل المسائل، إذا عرف هذا، فيصح حجُّ كلِّ واحدة من الأصناف المذكورة على قولٍ لبعض الأئمة.
أما الصنف الأول والثاني، فيصحُّ طوافُهن في مذهب الشّافعي على أحد القولين فيما إذا انقطعَ دمُ الحائض يومًا ويومًا، فإنَّ يومَ النقاء طهر على هذا القول، ويُعرف بقول التلفيق، وصححه من الشافعية أبو حامد، والمحامليُّ في كتبه، وسليم، والشيخ نصر المقدسي، والرّوياني، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقطع به الدارمي.
وأما على مذهب أبي حنيفة، فيصحُّ طوافُهن؛ لأنه لا يُشترط عنده في الطواف طهارةُ الحدث ولا النجس، فيصحُّ عندَه طوافُ الحائض والجنب.
وأما على مذهب الإمام مالك، فيصح طوافُهن؛ لأن مذهبه أن النقاءَ في أيام التقطُع طهر.