يعمل بهذه الرواية، أو لم يصحَّ التخريجُ المذكور، وأرادت الخروج من محظور الإحرام، فعلى قياس أصول مذهب الشّافعي وغيره تصبر حتّى تجاوزَ مكّة بيوم أو يومين، بحيث لا يمكنها الرجوعُ إلى مكّة خوفًا على نفسها أو مالها، فتصير حينئذ كالمُحْصَر؛ لأنها لا تتيقن الإحصارَ لو رجعت إلى مكّة، وتيقُّنُ الإحصارِ كوجود الإحصار، كما أن تَيَقُّنَ الضربِ لو خالف الأمر كوجود الضرب في حصول الإكراه، حتى لو أمره بالطلاق سلطانٌ علم من عادته أن يعاقب إذا خولف، فطلق، لم يقع طلاقه، إذا تقرر هذا، وأرادت الخروج من الإحرام، فتتحلل كما يتحلل للحج، بأن تنوي الخروج من الحج حيث عجزت عن الرجوع، وتذبح هنالك شاة تجزىء في الأضحية، وتتصدق بها، وتقصِّر شعرَ رأسها، فتصير حلالًا، ويحل لها جميعُ ما حَرُمَ بالإحرام، لكن يبقى في ذمتها الحجُّ الواجب، انتهى.
ففي هذا اقتصر على حكي مذاهب الأئمة، وما يتخرج منها.
أما في الكتاب الثاني، فانتصر للقول بسقوط شرط الطهارة في الطواف للعذر انتصارًا لا مزيد عليه، وأن الطهارة كسائر الشروط، مثل الستارة وغيرها، وإذا تعذر الإتيانُ بالشرط، فلا تسقط العبادة، بل شرطُها هو الذي يسقط، فإن الأصول متفقةٌ: أنه متى دار الأمرُ بين الإخلال بوقتِ العبادةِ، والإخلالِ ببعضِ شروطها وأركانها، يعني: كان الإخلال بذلك أولى، كالصلاة، فإن المصلي لو أمكنه أن يصلي قبل الوقت بطهارة وستارة مستقبلَ القبلة مجتنبَ النجاسة، ولم يمكنه ذلك في الوقت، فإنه يفعلُه في الوقت على الوجه الممكن، ولا يفعله قبلَه بالكتاب والسنة والإجماع (١).
وقال في محل آخر: أصول الشريعة أن العبادات المشروعة إيجابًا أو
(١) انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٦/ ٢٣٢).