وقد وجد ذلك، وعدم نقل غيره لا يكون معارضًا، لجواز عدم سماعه للحكم، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يُبَلِّغ الأحكام للآحاد والجماعة، ولا يلزم تبليغ كل حكم لجميع المكلفين.
وعلى تقدير السماع، فمن الجائز أن يعرض مانع من النقل -أعني: نقل غير هذا الراوي-، فإنما يكون ما ذكر إذا اقتضت العادة أن لا يخفى الشيء عن أهل التواتر، وليست الأحكام الجزئية من هذا القبيل، وقد علمت أنَّ الحديث صحَّ عن ابن عمر، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -.
وقيل في العذر: إنَّ هذا مخالف للقياس الجلي، وللأصول القياسية المقطوع بها، وما كان كذلك، لا يعمل به.
والجواب:
أولًا: عدمُ التسليم في مخالفة القياس الجلي والأصول القياسية.
وثانيًا: لا نسلم أن الحديث المخالف للأصول يُردـ، فإن الأصول تثبت بالنصوص، والنصوصُ ثابتة في الفروع المعينة، وغاية ما في الباب أن يكون الشرع أخرج بعض الجزئيات عن الكليات لمصلحة تخصها، أو تعبُّدًا، فيجب اتباعه.
وقيل في العذر: إنَّ هذا حديث معارض لإجماع أهل المدينة وعملهم، وما كان كذلك، يقدم عليه العمل، وقد قال مالك عقيب روايته: وليس لهذا عندنا حدٌّ معلوم، ولا أمر معمول به فيه، انتهى.
وإنما كان إجماع أهل المدينة مقدمًا على مثل هذا، لما اختصوا به من سكناهم في مهبط الوحي، ووفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم، ومعرفتهم بالناسخ والمنسوخ، فمخالفتهم لبعض الأخبار تقتضي علمهم بما أوجب