ترك العمل به من ناسخ، أو دليل راجح، ولا تهمة تلحقهم، فتعيَّنَ اتباعُهم، وكان ذلك أرجح من خبر الآحاد المخالف لعملهم.
والجواب:
أولًا: منعُ كونِ ذلك من إجماع أهل المدينة، فإن الإمام مالكًا لم يصرِّح بأنَّ المسألة من إجماع أهل المدينة، وأيضًا هذا الإجماع إما أن يراد به إجماع سابق، أو لاحق، والأول باطل؛ لأن ابن عمر رأس المفتين بالمدينة في وقته، وقد كان يرى خيار المجلس، وكذا نافع من التابعين، وكذا اللاحق، فإن ابن أبي ذئب من أقران مالك ومعاصريه، وقد أغلظ على مالك لما بلغه مخالفته للحديث.
وثانيًا: منعُ كونِ إجماع أهل المدينة وعملهم مقدمًا على خبر الواحد مطلقًا، فإن الحق الذي لا شك فيه أن عملهم وإجماعهم لا يكون حجة فيما طريقه الاجتهاد والنظر؛ لأن الدليل العاصم للأمة من الخطأ في الاجتهاد لا يتناول بعضهم، ولا مستند للعصمة سواه (١).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المسألة المالكية بعد أن فصل إجماع أهل المدينة ونوَّعه إلى أربعة أنواع، فقال:
المرتبة الرابعة: العمل المتأخر من أهل المدينة هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أم لا؟
فالذي عليه أئمة الناس: أنه ليس بحجة شرعية، هذا مذهب الشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم، وهو قول المحققين من أصحاب مالك؛
(١) انظر ما أورده الشارح -رحمه الله- في وجوه العذر عن العمل بالحديث، والجواب عنها: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ١٠٢ - ١٠٦).