للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة: البيع باطل فيما حكاه الكرخي، وروى حسن بن زياد جواز البيع.

وفيه أيضًا: إن اشتراط الولاء للبائع لا يفسد العقد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واشترطي لهم الولاء"، ولا يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعقد باطل، وعلم منه عدم صحة هذا الشرط.

وهو أيضًا يوافق القياس من وجه، وهو أن القياس يقتضي: أن الأثر مختص بمن صدر منه السبب، والولاء من آثار العتق، فيختص بمن صدر عنه العتق، وهو المشتري المعتق (١).

فإن قيل: المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اشترطي لهم الولاء"؛ أي: عليهم، بدليل أمرها به، ولا يأمر - عليه الصلاة والسلام - بفاسد.

فالجواب: عدم صحة هذا التأويل لوجهين:

أحدهما: أن الولاء لها بإعتاقها، فلا حاجة إلى اشتراطه.

الثاني: أنهم أَبَوْا البيع، إلا أن يشترط لهم الولاء، فكيف يأمرها بما علم أنهم لا يقبلونه منها؟ وسياق الحديث ظاهر في إبطال هذا التأويل، فليس على مثله تعويل.

وأمَّا أمرها بذلك، فليس بأمر حقيقة، وإنما هو صورة الأمر بمعنى التسوية، كقوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: ١٦]، والتقدير: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي، ولهذا قال عقبه: "فإنما الولاء لمن أعتق" (٢).

وعلى كل حال، ففي ظاهر الحديث إشكال، حتى زعم بعضُ الأئمة


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ١٦٣).
(٢) انظر: "المغني" لابن قدامة (٤/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>