للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل بعض من لم يقل بالمنع بالرواية التي فيها: "أَشهدْ على هذا غيري"، فإنها تقتضي إباحة إشهاد الغير، ولا يباح إشهاد الغير إلا على أمرٍ جائزٍ، فيكون امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشهادة على وجه التنزيه.

ولا يخفى ما في هذا من التهافت، فإن الصيغة، وإن كان ظاهرها الإذن، إلا أما مشعرة بالتنفير الشديد عن ذلك الفعل، حيث امتنع الرسول من المباشرة، فهذه الشهادة معللة للامتناع؛ لأنها جور، فلا جرم أن الصيغة تخرج من ظاهر الإذن بهذه القرائن، وقد استعملوا مثل هذا اللفظ في مقصود التنفير، ومنه: {فَاعْبُدُواْ مَا شِئْمُ} (١) [الزمر: ١٥].

* الثاني: الهبة، والعطية، والصدقة، والهدية، والنِّحلة، معانيها متقاربة تجري فيها أحكام الهبة، لكن المعطي إن قصد بإعطائه ثوابَ الآخرة فقط، فصدقة، وإن قصد إكرامًا وتوددًا ومكافأةً، فهديّة، وإلا يقصدْ توددًا ولا مكافأة، فهي هبة، وعطيّة، ونحلة، وهي مستحبة إذا قصد بها وجه الله تعالى، كالهِبَة للعلماء، والفقراء، والصالحين، وما قصد به صلة رحم، لا مباهاةً ورياءً وسمعة (٢).

قال شيخ الإسلام: والصدقةُ أفضل من الهبة، إلّا أن يكون في الهبة معنًى تكون به أفضل من الصدقة، مثل الإهداء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبّةً له، والإهداء لقريب يصل به رحمه، أو أخٍ له في الله، فهذا قد يكون أفضل من الصَّدقة (٣).

* الثالث: لا يجوز لواهب، ولا يصح أن يرجع في هبته -ولو صدقة


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ٢١٦).
(٢) انظر: "الإقناع" للحجاوي (٣/ ١٠١).
(٣) انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٤/ ٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>