للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل على أنّه كانت له وصية، وأُجيب بأنه قد عارضه ما أخرجه ابن المنذر وغيره عن حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، قال: قيل لابن عمر في مرض موته: ألا توصي؟ قال: أمّا مالي، فالله أعلم ما كنتُ أصنع فيه، وأمّا رباعي، فلا أحبُّ أن يشارك ولدي فيها أحد (١)، وجمع بينهما بعضهم بأنه كان يكتب وصيته، ويتعاهدها، ثمّ صار ينجز ما كان يوصي به متعلقًا بموته، وإليه الإشارة بقوله: الله يعلم ما كنت أصنع في مالي، ولعلَّ الحامل له ذلك حديثه: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" (٢)، فصار ينجز ما يريد التصدق به، فلم يحتج إلى تعليق (٣).

ونقل ابن المنذر عن أبي ثور: أن المراد بوجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حقٌّ شرعيٌّ يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به، كويعة، ودين لله، أو لآدميّ. قال: ويدل على ذلك تقييده بقوله: "له شيء يريد أن يوصي فيه"؛ لأن فيه إشارة إلى قدرته على تنجيزه، ولو كان مؤجلًا، فإنه إذا أراد ذلك، ساغ له (٤). وإن أراد أن يوصي به، ساغ له.

وفي الحديث: دليلٌ على جواز الاعتماد على الكتابة والخط، ولو لم


(١) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٤/ ١٨٥)، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" (ص: ١١٨)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (٢/ ١١٩). وسنده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (٥/ ٣٥٩).
(٢) رواه البخاري (٦٠٥٣)، كتاب: الرقاق، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
(٣) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٥/ ٣٥٩)، وعنه: العيني في "عمدة القاري" (١٤/ ٢٩).
(٤) المرجعان السابقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>