للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ: لا يخفى على منصفٍ أن الآية التي فيها الإشهاد ليس فيها ذكر الكتابة، فدلّت الآيات والأحاديث على ثلاث حالات للوصية؛ لأنها إمّا أن تكون مكتوبة، أو لا، وعلى كلٍّ، إمّا أن يكون أشهد عليها، أو لا، فإذا كانت مكتوبة، وقد أشهد عليها، فمتّفق على العمل بها، وكذا إذا كانت غير مكتوبة، ولكنه قد أشهدَ عليها، وأما إذا كانت مكتوبة بخطه المعروف، ولا شهادة عليها، فهي محل نزاع، وأما القسم الرّابع، وهو ألا تكون مكتوبة، ولا إشهاد عليها، فهو غير ملتفت إلى هذا رأسًا.

قال صدر الوزراء أبو المظفر عونُ الدين بنُ هبيرةَ -رحمه الله، ورضي عنه-: اختلفوا فيما إذا كتب وصيته بخطه يعلم أنه خطّه، ولم يُشهد فيها، هل يحكم عليه كما لو أشهد بها؛ فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يحكم بها.

وقال أحمد: من كتب وصيته بخطه، ولم يُشهد فيها، حُكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها، انتهى (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مختصر الفتاوى المصرية": إذا كان الميت ممن يكتب ما عليه للناس في دفتره، أو كان له وكيلٌ يكتب بإذنه، فإن وصيَّه يرجع في ذلك إلى الكتاب الذي بخطه، أو خطّ وكيله، فما كان مكتوبًا ليس عليه علامة الوفاء، كان بمنزلة إقرار الميِّت، فخطُّ الميت، وإقرارُ الوكيل فيما وُكل فيه، أو خطُّه، مقبولٌ، ولكن على صاحب الدين اليمين أنّه لم يقبض، ولم يبرأ، وأنه يستحقه، انتهى (٢).


(١) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (٢/ ٨٠).
(٢) وانظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٤/ ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>