عباس في هذه المسألة بقوله: اللقاح واحد، أخرجه ابن أبي شيبة (١)، و -أيضًا- الوطء يُدِرُّ اللبن، فللفحل فيه نصيب، ولهذا ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، كالأوزاعي في أهل الشام، والثوري، وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة، وابن جريج في أهل مكة، ومالك في أهل المدينة، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم: إلى أن لبن الفحل يُحَرِّم، وحجتهم هذا الحديث الصحيح.
وألزم الشافعي المالكيةَ في هذه المسألة بردّ أصلهم بتقديم عمل أهل المدينة، ولو خالف الحديث الصحيح، إذا كان من الآحاد، لما رواه عن عبد العزيز بن محمّد عن ربيعة من أنّ لبن الفحل لا يحرم، قال عبد العزيز: وهذا رأي فقهائنا إلّا الزهري، فقال الشافعي: لا نعلم شيئًا من علم الخاصّة أولى بأَلَّا يكون عامًّا ظاهرًا من هذا وقد تركوه للخبر الوارد، فيلزمهم على هذا إما أن يردّوا هذا الخبر، وهم لم يردّوه، أو يردُّوا ما خالف الخبر على كل حال، وهو المطلوب.
قال القاضي عبد الوهاب من المالكية: يُتصور تجريدُ لبن الفحل برجل له امرأتان، ترضع إحداهما بنتًا، والأخرى صبيًّا، فالجمهور قالوا: يحرم على الصبي تزوجُ الصبية، وقال من خالفهم: يجوز.
قال في "الفتح": وألزم به بعضهم من أطلق من الحنفية القائلين: الصحابي إذا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، وصحّ عنه، ثم صح عنه العمل بخلافه أن العمل بما رأى، لا ما روى؛ لأن عائشة صحّ عنها أنه لا اعتبار للبن الفحل، ذكره مالك في "الموطأ"، وسعيد بن منصور في "السنن"،
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٧٣٤٨). وكذا الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٦٠٢).