للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عبيد: معناه: أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع، لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع (١)، ولهذا علل ذلك بقوله: (فإنما الرضاعة) الفاء للتعليل لقوله: "انظرنَ"؛ أي: أَمْعِنَّ النظرَ والتفكُّرَ؛ لأن الرضاعة (من المجاعة)؛ أي: الرضاعة التي تثبت بها الحرمةُ، وتحصل لأجلها الخلوة، وتجعل الرضيع محرمًا: هي حيث يكون الرضيع طفلًا يسدّ اللبنُ جوعته؛ لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير كجزء من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة، أو المطعمة من المجاعة، كقوله -تعالى-: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} (٢) [قريش: ٤].

ومن شواهده: حديثُ ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لا رضاعة إلا ما شدّ العظم، وأنبت اللحم" أخرجه الترمذي في "صحيحه" (٣)، وحديث أم سَلَمة - رضي الله عنها -، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُحَرِّمُ من الرضاع إلّا ما فتقَ الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام" رواه الترمذي في "صحيحه" (٤)، وحديث ابن عباس مرفوعًا: "لا رضاع إلّا ما كان في


(١) انظر "غريب الحديث" لأبي عبيد (٢/ ١٤٩). وانظر "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٤٨).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٤٨).
(٣) رواه أبو داود (٢٠٥٩)، كتاب: النكاح، باب: في رضاعة الكبير، موقوفًا. ورواه -أيضًا- (٢٠٦٥)، مرفوعًا. ولم يروه الترمذي في "سننه"، ولعلّه سبق قلم من الشارح -رحمه الله-، إذ إنه ينقل عن الحافظ ابن حجر في "الفتح" (٩/ ١٤٨)، وعبارته هناك: "أخرجه أبو داود مرفوعًا وموقوفًا"، والله أعلم.
(٤) رواه الترمذي (١١٥٢)، كتاب: الرضاع، باب: ما جاء ما ذكر أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين.

<<  <  ج: ص:  >  >>