للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: واختار شيخ الإِسلام ابن تيمية ثبوتَ الحرمه بالرضاع، ولو كان المرتضِع كبيرًا، للحاجة، نحو كونه محرمًا، لقصة سالم مولى أبي حذيفة مع زوجة أبي حذيفه (١).

وأجاب الجمهور عن قصة سالم بأجوبة:

منها: أنه حكمٌ منسوخ، وبه جزم المُحِبُّ الطبري في "أحكامه"، وقرره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة، والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة، فدلّ على تأخرها.

وهو مستند ضعيف، إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا صغره أَلاَّ يكون ما رواه متقدمًا، وأيضًا، ففي سياق قصة سالم ما يُشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين، لقول امرأة أبي حذيفة: كيف أرضعه وهو كبير؟ فهذا يشعر أنها كانت تعرف أنّ الصغر معتبر في الرضاع المحرِّم.

ومنها: دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة، والأصل في هذا قولُ أم سَلَمة وأزواجِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما نرى هذا إلّا رخصةً أرخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسالم خاصّة، وقرره ابن الصباغ وغيره بأن أصل قصة سالم

ما كان وقع من التّبنّي الذي أدّى إلى اختلاط سالم بسهلة، فلما نزل الاحتجاب، ومُنعوا من التبني، شقّ ذلك على سهلةَ، فوقع الترخيصُ لها في ذلك لرفع ما حصل لها من المشقة، وهذا فيه نظر؛ لأنه يقتضي إلحاق من يساوي سهلة في المشقة والاحتياج بها، فتنتفي الخصوصية، وثبت مذهب المخالف، لكن بقيد الاحتياج.

قلت: وهذا الذي التزمه شيخ الإِسلام ابن تيمية، واختاره، وقرره آخرون بأن الأصل أن الرّضاع لا يحرِّم، فلما ثبت ذلك في الصغر، خولف


(١) نقله المرداوي في "الإنصاف" (٩/ ٣٣٤)، وعنه: نقل الشارح -رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>