ومنهم من قال: لا تُقتل المرأة إذا ارتدّت، كما لا تقتل نساء أهل دار الحرب في الحرب، وإنما تُقتل رجالهم، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، فجعلوا الكفر الطارئ كالأصلي، والجمهور فرّقوا بينهما، فجعلوا الطارئ أغلظَ، لما سبقه من الإِسلام، ولهذا يُقتل بالردّة عن الإِسلام من لا يُقتل من أهل الحرب، كالشيخ الفاني، والزَّمِنِ، والأعمى، مع أنهم لا يُقتلون في الحرب.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "التارك لدينه" الحديث: دلالةٌ على أنه لو تاب ورجع إلى الإِسلام، لم يُقتل؛ لأنه ليس بتارك لدينه بعد رجوعه، ولا مفارق للجماعة.
فإن قيل: بل استثناءُ هذا ممن يعصم دينه من أهل الشهادتين يدل على أنه يُقتل -ولو كان مقراً بهما- كما يُقتل الزاني المحصَن وقاتلُ النفس، وهذا يدل على أنّ المرتدّ لا تُقبل توبته كما حُكي عن الحسن، أو أن يحمل ذلك على من ارتدّ ممن ولد على الإِسلام، فإنه لا تقبل توبته، وإنما تقبل توبة من كان كافرًا، ثم أسلم، ثم ارتدّ، على قول طائفة من العلماء، منهم: الليثُ بن سعد، وإسحاق، والإمام أحمد في رواية مرجوحة.
فالجواب: إنما استثناه من المسلمين باعتبار ما كان عليه قبل مفارقة دينه -كما سبق-، وليس هذا كالثيِّب الزاني وقاتل النفس؛ لأن قتلهما وجبَ عقوبةً لجريمتهما الماضية، ولا يمكن تلافي ذلك، وأما المرتد، فقتلُه لوصفٍ قائم به في الحال، وهو تركُ دينه ومفارقةُ الجماعة، فإذا عاد إلى دينه وإلى موافقة الجماعة، فقد انتفى الوصف المُبيح لدمه، فتزول إباحة دمه.
فإن قيل: قد أخرج النسائي من حديث عائشة - رضي الله عنها - عن