وقال: في قوله -تعالى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[البقرة: ١٧٨] إلى قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ١٧٩]: إن أولياء المقتول تغلي قلوبهم بالغيظ حتى يؤثروا أن يقتلوا القاتل وأولياءه، وربما لم يرضوا بقتل القاتل، بل يقتلون كثيرًا من أصحاب القاتل، كسيد القبيلة، ومقدَّم الطائفة، فيكون القاتل قد اعتدى في الابتداء، ويعتدي هؤلاء في الاستيفاء كما كان يفعله أهل الجاهلية، وكما يفعله الخارجون عن الشريعة في هذه الأوقات من الأعراب والحاضرة وغيرهم، وقد يستعظمون قتل القاتل لكونه عظيمًا أشرفَ من المقتول، فيفضي ذلك إلى أن أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل، وربما حالف هؤلاء قومًا، واستعانوا بهم، وهؤلاء قومًا، فيفضي إلى الفتن والعداوات العظيمة، وسبب ذلك كله خروجهم عن سنن العدل الذي هو القصاص في القتلى، فكتب -سبحانه وتعالى- علينا القصاص، وهو المساواة والمعادلة في القتلى، وأخبر أن فيه حياةً، فإنه يحقن دمَ غيرِ القاتل من أولياء الرجلين، وأيضًا إذا عَلم من يريد القتل أنه يُقتل، كفَّ عن القتل.
وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما من حديث علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال:"المؤمنون تتكافأ دماؤهم وأموالهم، وهم يدٌ على مَنْ سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده"(١)، فقضى -عليه الصلاة والسلام- أن المسلمين تتكافأ
دماؤهم؛ أي: تتساوى وتتعادل، فلا يفصّل عربي على عجمي، ولا قرشي أو هاشمي على غيره من المسلمين، ولا حر أصلي على مولى عتيق،