للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالنيات" (١) ميزان الأعمال في باطنها، وكما أن كل عمل لا يراد به وجهُ الله فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله. فكل فعلة -وإن صغرت- ينشر [الله] لها يوم القيامة ديوانًا لِمَ؟ وكيف؟ فالسؤال الأول: عن الإخلاص والنية، والثاني: عن التأسي والمتابعة لصاحب الشرع، فكل عمل لا يجمعهما فهو مردود على عامله.

قال ابن رجب: وهذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود؛ أي: سواءٌ كان من العبادات، أو المعاملات. فأما العبادات، فما كان منها خارجًا عن حكم الله ورسوله بالكلية، فهو مردود على عامله، وعاملُه يدخل تحت قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله اللهُ ورسوله قربةً إلى الله، فعملُه باطل مردود عليه؛ كمن تقرب إلى الله بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس في غير الإحرام، أو ما أشبه ذلك من المحدَثات التي لم يشرع الله ورسوله التقربَ بها بالكلية، وليس كل ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقًا.

فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا قائمًا في الشمس، فسأل عنه، فقيل: إنه نذرَ أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل، وأن يصوم، فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يقعد ويستظل، وأن يتم صومه (٢). فلم يجعل قيامه وبروزه للشمس قربة يوفي بنذرهما. وقد روي أن ذلك كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>