المنبر، فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل مادام النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطُب إعظامًا لسماع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قربة يوفي بنذره، مع أن القيام عبادة في مواضع أخر؛ كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرِم، فدل على أنه ليس ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة في مواضعها، وكذلك من تقرب بعبادة نهي عنها بخصوصها؛ كمن صام يوم العيد، أو صلى في وقت نهي.
وأما من عمل عملًا أصلُه مشروع وقربة، ثم أدخل فيه ما ليس بمشروع، فهو أيضا مخالف للشريعة بقدر إخلاله بما أخلَّ به، أو إدخاله ما أدخل فيه.
وهل يكون عمله من أصله مردودًا عليه أم لا؟ فهذا ينبغي فيه التفصيل: فإن كان ما أخلَّ به من أجزاء العمل أو شروطه، كان موجبًا لبطلانه؛ كمن أخلَّ بالطهارة للصلاة مع القدرة، وكمن أخلَّ بالركوع أو السجود، أو بالطمأنينة فيهما، فهذا عمله مردود، وعليه إعادته إن كان فرضًا.
وإن كان ما أخلَّ به لا يوجب بطلانَ العمل، كمن أخلَّ بالجماعة للصلاة المكتوبة عند من يوجبها، ولا يجعلها شرطًا، فهذا لا يقال: إن عمله مردود من أصله، بل هو ناقص.
وإن كان قد زاد في العمل المشروع ما ليس بمشروع، فزيادته مردودة عليه، بمعنى: أنَّها لا تكون قربة، ولا يثاب عليها، ولكن تارة يبطل بها العمل من أصله فيكون مردودًا، كمن زاد في صلاته ركعة عمدًا، أو تارة لا تبطله من أصله؛ كمن توضأ أربعًا أربعًا، أو صام مع النَّهار اللَّيلَ، وواصل في صيامه.