للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لاختصاص النهي بالصلاة؛ بخلاف الصلاة في الغصب، ويشهد لهذا أن الصيام لا يبطله إلا ارتكاب ما نهي عنه فيه بخصوصه، وهو جِنْسٌ الأكل والشرب والجماع؛ بخلاف ما نهي عنه الصائم، لا بخصوص الصيام؛ كالكذب والغيبة عند الجمهور، والله أعلم.

وأما المعاملات؛ كالعقود والفسوخ ونحوهما، فما كان منها تغييرًا للأوضاع الشرعية؛ كجعل حدّ الزنا عقوبة مالية، وما أشبه ذلك، فمردود من أصله، لا ينتقل به الملك؛ لأنه غير معهود في أحكام الإسلام، ويدل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للذي سأله: إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديته منه بمئة شاة وخادم، فقال له -عليه الصَّلاة والسَّلام-: "المئة شاة والخادم رَدٌّ عليك، وعلى ابنك جلدُ مئة وتغريبُ عام"، وتقدم (١).

وما كان منها عقدًا منهيًا عنه في الشرع، إما لكون المعقود عليه ليس محلًا للعقد، أو لفوات شرط فيه، أو لظلم يجعل به للمعقود معه أو عليه، أو لكون العقد يشغل عن ذكرِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- الواجبِ عند تضايق وقته، أو غير ذلك، فهذا العقد هل هو مردود بالكلية، لا ينتقل به الملك، أم لا؟ فيه اضطراب بين العلماء.

والأقرب في مثل هذا: أنه إن كان النهي لحق الله -عزَّ وجلَّ-، فإنه لا يفيد الملك بالكلية، ونعني بكون الحق لله: أنه لا يسقط برضا المتعاقدين عليه، وإن كان لحق آدمي معين بحيث يسقط برضاه به، فإنه يقف على رضاه، فإن رضي، لزم العقد، واستمر الملك، وإلا، فله الفسخ.


(١) وتقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>