ومما احتجوا به: قوله - صلى الله عليه وسلم - لهند في الحديث المتقدم:"خذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف"، وقد قررنا أن الاستدلال به سهو؛ لأنه من باب الفتيا لا القضاء، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه"(١).
وإذا رأى وحدَه عدوانَ رجل على رجل، وغصبه ماله، وسمع طلاقه لامرأته، وعتقه لعبده، ثم رأى الرجل مستمرًا على إمساك الزوجة، أو بَيْعِ من صرح بعتقه، فقد أقرَّ على المنكر الذي أمر بتغييره.
والجواب عن هذا: أنه مأمور بتغيير ما يعلم الناس أنه منكر بحيث لا تتطرق إليه تهمة في تغييره، وأما إذا عمد إلى رجل مع زوجته وأَمَته، لم يشهد أحد أنه طلقها، ولا أعتقها أَلبتةَ، ولا سمع بذلك أحد قط، ففرق بينهما، وزعم أنه طلق وأعتق، فإنه ينسب ظاهرًا إلى تغيير المعروف بالمنكر، ويتطرق الناس إلى اتهامه والوقوع في عرضه.
وهل يسوغ للحاكم أن يأتي إلى رجل مستور بين الناس غيرِ مشهورٍ بفاحشة، ولم يشهد عليه شاهد واحد بها، فيرجمه، ويقول: رأيته يزني، أو يقتله ويقول: سمعته يسبُّ، أو يفرق بين الزوجين ويقول: سمعته يطلق؟! وهل هذا إلا محض التهمة؟! ولو فتح هذا الباب، ولاسيما لقضاة الزمان، لوجد كلُّ قاض له عدوٌّ السبيلَ إلى قتل عدوه ورجمه وتفسيقه، والتفريق بينه وبين امرأته، ولاسيما إذا كانت العداوة خفية لا يمكن عدوه إثباتها حتى لو كان الحق هو حكم الحاكم بعلمه، لوجب منعُ قضاة الزمان من ذلك، وهذا إذا قيل في شريحٍ، وكعبِ بنِ سوار، وإياسِ بنِ معاوية،