للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحفص بن غياث، وأضرابهم، كان فيه ما فيه (١).

هذا كلام ابن القيم في "الطرق الحكمية" وتنكيته على قضاة زمانه مع كون الملة الإسلامية محميةً بالدولة القرشية، والأئمةُ في تلك الأعصار موجودون، والحفاظ متظافرون، ورايةُ العلم منشورة، وسيوفه مشهورة، والدروس والمدارس عامرة متكاثرة.

فكيف بزماننا هذا الذي لم يبق فيه من الدين إلا اسمُه، ومن العلم إلا رَسْمُه، ومن العدل إلا ما جرى على ظلم من تقدمه، ومن الفضل إلا ما تابع به من حاضره وقدمه، ومن الحزم إلا ما وافق رأي مخدومه، ومن العزم إلا ما جرى على قانونه ومرسومه، فغوثًا بك اللهم من زمان كَلَحَ في وجه أهل العِرْض والديانة، ورمى بِكَلْكَلِه على ذوي المروَّات والصيانة، واستعانةً بك اللهم من عصور دولتُها الذئابُ الضارية، وحكامها القرودُ العاتية، وسلاطينها الأُسود الجائعة، وتجارُها الفئران الجامعة، وعلماؤها الثعالبُ المختلسة، وعُبَّادها الشياطين المتلبسة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال الإمام ابن القيم: وقد ثبت عن أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، ومعاوية -رضي الله عنهم- المنعُ من ذلك؛ أي: من حكم الحاكم بعلمه.

قال: ولا يُعرف لهم مخالف في الصحابة، فذكر البيهقي وغيرُه عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أنه قال: لو وجدت رجلًا على حدّ من حدود الله، لم أَحُدَّه حتى يكون معي غيري (٢).


(١) انظر: "الطرق الحكمية" لابن القيم (ص: ٢٩٠ - ٢٩١).
(٢) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>