وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ
فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْصِرَافَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَعْنَى مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود من رواية ابن فضل عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ قَضَتْ رَكْعَةً لِأَنْفُسِهَا قَبْلَ قَضَاءِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى قَدْ أَدْرَكَتْ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ لَمْ تُدْرِكْ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِلثَّانِيَةِ الْخُرُوجُ مِنْ صَلَاتِهَا قَبْلَ الْأُولَى وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ حُكْمِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى أَنْ تُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي مَقَامَيْنِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الثَّانِيَةِ أَنْ تَقْضِيَهُمَا فِي مَقَامَيْنِ لَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ سَبِيلَ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ تَكُونَ مَقْسُومَةً بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى التَّعْدِيلِ بَيْنَهُمَا فِيهَا وَاحْتَجَّ مَالِكٌ
بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عن زيد بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى صَلَّتْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ وَقَدْ خُولِفَ فِيهِ
فَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْن أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَّ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفَّ مَصَافَّ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ قَامُوا فَقَضَوْا رَكْعَةً رَكْعَةً
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَمْ تَقْضِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَاتِهِ وَهَذَا أَوْلَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الْأُصُولِ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ صَالِحٍ مِثْلَ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ
وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بطائفة منهم ركعتين ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا وَكُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اضطراب حديث يزيد ابن رُومَانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى وُجُوهٍ أُخَرَ
فاتفق ابن مسعود وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَحُذَيْفَةُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهُونَ الْعَدُوَّ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَةً وَأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَقْضِ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ قَبْلَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرُوِيَ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَلَى مَا قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَرَوَى أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ نَحْوَ