للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْحَالِ الْأُولَى وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ وُقُوعُ الْقَطْعِ فِيهِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ قَامَ الْقَطْعُ فِيهِ مَقَامَ دَفْعِ قِيمَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْهُ وَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْمَسْرُوقِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَدَلِ عَلَيْهِ يُوجِبُ لَهُ الْمِلْكَ فَلَمَّا أَشْبَهَ مِلْكَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَقَطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ أَنْ يُشْبِهَ الْمُبَاحَ مِنْ وَجْهٍ وَيُشْبِهَ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ.

بَابُ السَّارِقِ يُوجَدُ قَبْلَ إخْرَاجِ السَّرِقَةِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ غَيْرُ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَتَاعِ وَبَيْنَ حِرْزِهِ

وَالدَّارُ كُلُّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَكَمَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ بِالْمَتَاعِ لَمْ يُقْطَعْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا سِكِّينًا لَقَطَعْته وَرَوَى سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ إذَا وُجِدَ فِي بَيْتٍ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ دُخُولُهُ الْبَيْتَ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْمَ السَّارِقِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْقَطْعِ بِهِ وَأَخْذُهُ فِي الْحِرْزِ أَيْضًا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي الْحِرْزِ وَمَتَى لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ فَلَا يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَلَوْ جَازَ إيجَابُ الْقَطْعِ فِي مِثْلِهِ لَمَا كَانَ لِاعْتِبَارِ الْحِرْزِ مَعْنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ غُرْمِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ إذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أَخَذَهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ يَغْرَمُ السَّرِقَةَ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ إبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّ صَاحِبَهَا يَأْخُذُهَا

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ وَرَدَّ الرِّدَاءَ عَلَى صَفْوَانَ

وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بَعْدَ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَالْجَزَاءُ اسْمٌ لِمَا يُسْتَحَقُّ بِالْفِعْلِ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ جَمِيعَ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْفِعْلِ هُوَ الْقَطْعُ لَمْ يَجُزْ إيجَابُ الضَّمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>