مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ التَّسْبِيحَ لِلَّهِ هُوَ تَنْزِيهُهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَمَّا كَانَ سَيْرُهَا دَلَالَةً عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ جَعَلَ ذَلِكَ تَسْبِيحًا مِنْهَا لَهُ
قَوْله تَعَالَى وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عمر وبن عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ قَالَ جَزَّأَ دَاوُد الدَّهْرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمًا لِنِسَائِهِ وَيَوْمًا لِقَضَائِهِ وَيَوْمًا يَخْلُو فِيهِ لِعِبَادَةِ ربه ويوما لبنى إسرائيل يسئلونه وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْزَمُهُ الْجُلُوسُ لِلْقَضَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى يَوْمٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْكَوْنُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا يَوْمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمِحْرَابُ صَدْرُ الْمَجْلِسِ وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ إنَّ الْمِحْرَابَ الْغُرْفَةُ وقَوْله تعالى إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَصْمُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ
وَإِنَّمَا فَزِعَ مِنْهُمْ دَاوُد لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَقَالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ وَمَعْنَاهُ أَرَأَيْت إنْ جَاءَك خَصْمَانِ فَقَالَا بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ هَذَا الضَّمِيرُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْضِهِمْ بَغْيٌ عَلَى بَعْضٍ وَالْمَلَائِكَةُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْكَذِبُ فَعَلَمِنَا أَنَّهُمَا كَلَّمَاهُ بِالْمَعَارِيضِ الَّتِي تُخْرِجُهُمَا مِنْ الْكَذِبِ مَعَ تَقْرِيبِ الْمَعْنَى بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَاهُ وَقَوْلُهُمَا
إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً هُوَ عَلَى مَعْنَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ ضَمِيرِ أَرَأَيْت إنْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَأَرَادَ بِالنِّعَاجِ النِّسَاءَ وَقَدْ قِيلَ إنَّ دَاوُد كَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً وَأَنَّ أُورِيَا بْنَ حَنَانٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً فَخَطَبَهَا دَاوُد مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ أُورِيَا خَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَكَانَ فِيهِ شَيْئَانِ مِمَّا سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ التَّنَزُّهُ عَنْهُ أَحَدُهُمَا خِطْبَتُهُ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ وَالثَّانِي إظْهَارُ الْحِرْصِ عَلَى التَّزْوِيجِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ فَعَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَكَانَتْ صَغِيرَةً وَفَطِنَ حِينَ خَاطَبَهُ الْمَلَكَانِ بِأَنَّ الْأَوْلَى كَانَ بِهِ أَنْ لَا يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ الَّتِي خَطَبَهَا غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ يَعْنِي خَطَبْت امْرَأَةً وَاحِدَةً قَدْ كَانَ التَّرَاضِي منا وقع بتزويجها وما روى في أخيار الْقُصَّاصِ مِنْ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْمَرْأَةِ فَرَآهَا مُتَجَرِّدَةً فَهَوِيَهَا وَقَدَّمَ زَوْجَهَا لِلْقَتْلِ فَإِنَّهُ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يأتون للعاصي مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا مَعَاصٍ إذْ لَا يَدْرُونَ لَعَلَّهَا كَبِيرَةٌ تَقْطَعُهُمْ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute