فَإِنَّهُ يُفِيدُ إثْبَاتَ فَرْضِ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ إنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الرُّكُوعَ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاتِهِمْ فَنَصَّ عَلَى الرُّكُوعِ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قوله [وَارْكَعُوا] عِبَارَةً عَنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا كَمَا عَبَّرَ عَنْهَا بالقراءة في قوله [فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ] وَقَوْلِهِ [وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً] وَالْمَعْنَى صَلَاةُ الْفَجْرِ فَيَنْتَظِمُ وَجْهَيْنِ مِنْ الْفَائِدَةِ أَحَدُهُمَا إيجَابُ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالرُّكُوعِ إلَّا وَهُوَ مِنْ فَرْضِهَا وَالثَّانِي الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ مَعَ الْمُصَلِّينَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ لم ذكر الصلاة في قوله [وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ] فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُرِيدَ بِعِطْفِ الرُّكُوعِ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا قِيلَ لَهُ هَذَا جَائِزٌ إذَا أُرِيدَ بِالصَّلَاةِ الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهَا الْإِجْمَالُ دُونَ صَلَاةٍ مَعْهُودَةٍ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ [وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ] إحَالَةً لَهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي بَيَّنَهَا بِرُكُوعِهَا وَسَائِرِ فُرُوضِهَا وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِغَيْرِ رُكُوعٍ وَكَانَ فِي اللَّفْظِ احْتِمَالُ رُجُوعِهِ إلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يرد الصلاة التي تعبد بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ بَلْ الَّتِي فِيهَا الرُّكُوعُ
وقوله تعالى [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ] يَنْصَرِفُ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَفِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةُ أَنَّهُمَا مَعُونَتَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلُ الصَّلَاةِ لُطْفٌ فِي اجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ كَقَوْلِهِ [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّبْرَ وَالصَّلَاةَ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِمَا لَا الْمَفْرُوضَيْنِ وَذَلِكَ نَحْوُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ المفروض منها لأن ظاهر الأمر للإيجاب وَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلَالَةٍ وقَوْله تعالى [وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ] فِيهِ رَدُّ الضَّمِيرِ عَلَى وَاحِدٍ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ اثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ [وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ] وَقَالَ [وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ
قَوْله تَعَالَى [فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ] يُحْتَجُّ بِهَا فِيمَا وَرَدَ مِنْ التَّوْقِيفِ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَقْوَالِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا إلَى غَيْرِهَا وَرُبَّمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا الْمُخَالِفُ فِي تَجْوِيزِنَا تَحْرِيمَةَ الصَّلَاةَ بِلَفْظِ التَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحِ وَفِي تَجْوِيزِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أبى حنفية وفي تجويز النجاح بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا لأن قوله تعالى [فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا] إنَّمَا هُوَ فِي الْقَوْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute