للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفُوراً

وَقَالَ تَعَالَى حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَكَانَتْ أَوْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ لَمَّا كَانَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ أَوْ دَيْنٌ فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَعْدَهُمَا جَمِيعًا وَتَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الذِّكْرِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلتَّبْدِئَةِ بِهَا عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّ أَوْ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمِيرَاثِ إعْلَامًا لَنَا أَنَّ سِهَامَ الْمَوَارِيثِ جَارِيَةٌ فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَزْلِ حِصَّةِ الْوَصِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ كَانَتْ سِهَامُ الْوَرَثَةِ مُعْتَبَرَةً بَعْدَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ فِي الثُّلُثَيْنِ وَكَذَلِكَ سِهَامُ سَائِرِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ جَارِيَةٌ فِي الثُّلُثَيْنِ دُونَ الثُّلُثِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ فَجَمَعَ تَعَالَى بَيْنَ ذِكْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ لِيُعَلِّمَنَا أَنَّ سِهَامَ الْمِيرَاثِ مُعْتَبَرَةٌ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بَعْدَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُخَالِفَةً لِلدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ لَدَخَلَ النُّقْصَانُ عَلَى أَصْحَابِ الْوَصَايَا كَمَا يَدْخُلُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ اُسْتُوْفِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ مِنْ الْبَاقِي وَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا فَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ وَيَأْخُذُ شَبَهًا مِنْ الْغَرِيمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ سِهَامَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ مُعْتَبَرَةٌ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ كَاعْتِبَارِهَا بَعْدَ الدَّيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يُعْطَى وَصِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْوَرَثَةُ أَنْصِبَاءَهُمْ بَلْ يُعْطَوْنَ كُلَّهُمْ مَعًا كَأَنَّهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ ذَاهِبٌ منهم جميعا.

بَابُ مِقْدَارُ الْوَصِيَّةِ الْجَائِزَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْوَصِيَّةِ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ لِأَنَّهَا مَنْكُورَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْوَصِيَّةُ بِبَعْضِ الْمَالِ لَا بِجَمِيعِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ فَأَطْلَقَ إيجَابَ الْمِيرَاثِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فَلَوْ اقْتَضَى قَوْله تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الْمَالِ لَصَارَ قَوْله تَعَالَى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مَنْسُوخًا بِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>