حُكْمِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ مَا قَدْ نَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ شَرْعًا فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا بِالْقِيَاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَسَخَ بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ
قَوْله تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا وَشُحُومُهُمَا مُبَاحَةٌ لَنَا وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ ذَوَاتِ الْأَظْفَارِ قِيلَ لَهُ مَا ذَكَرْت لَا يُخْرِجُ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ عَلَى الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا حُرِّمَ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ ذَلِكَ وَأُبِيحَ لَنَا لَمْ يَصِرْ شَرِيعَةً لِنَبِيِّنَا صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وبين النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا كَانَ مُوَقَّتًا إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَأَنَّ مُضِيَّ الْوَقْتِ أَعَادَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْإِبَاحَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُحْظَرْ قَطُّ وَأَيْضًا فَلَوْ سَلَّمْنَا لَك مَا ادَّعَيْت كَانَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَاسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ فِيمَا وَصَفْنَا سَائِغًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالِاتِّفَاقِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه لَاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ أَشْيَاءَ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ كَالْخَمْرِ وَلَحْمِ الْقِرَدَةِ وَالنَّجَاسَاتِ وَغَيْرِهَا فَلَمَّا ثَبَتَ خُصُوصُهُ بِالِاتِّفَاقِ سَاغَ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَاسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظفر الآية قال ابن عباس وسعيد بن جبير وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُجَاهِدٌ هُوَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَفْتُوحِ الْأَصَابِعِ كَالْإِبِلِ وَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ وَقَالَ بعض أهل العلم يدخل في جَمِيعُ أَنْوَاعِ السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالسَّنَانِيرِ وَسَائِرُ مَا يَصْطَادُ بِظُفُرِهِ مِنْ الطَّيْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قد ثبت تحريم اللَّه تعالى ذلك عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَحُكْمُ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ عندنا ثابت بأن يكون شريعة لنبينا صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إلَّا أَنْ يَثْبُتَ نَسْخُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُ تَحْرِيمِ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً بِتَحْرِيمِ اللَّه بَدِيًّا وَكَوْنِهِ شَرِيعَةً لِنَبِيِّنَا صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وقَوْله تَعَالَى حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظهورهما يَسْتَدِلَّ بِهِ مَنْ أَحْنَثَ الْحَالِفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ شَحْمِ الطَّيْرِ لَاسْتِثْنَاء اللَّه مَا عَلَى ظُهُورِهِمَا مِنْ جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا عَلَى الظَّهْرِ إنَّمَا يُسَمَّى لَحْمًا سَمِينًا فِي الْعَادَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَتَسْمِيَةُ اللَّه إيَّاهُ شَحْمًا لَا تُوجِبُ دُخُولَهُ فِي الْيَمِينِ إذْ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ لَهُ مُتَعَارَفًا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ سَمَّى السَّمَكَ لَحْمًا وَالشَّمْسَ سِرَاجًا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ وَالْحَوَايَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ ومجاهد والسدى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute