للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يُحْبَسَ مِنْ أَجْلِ النُّكُولِ عَنْهَا وَهِيَ الْقَسَامَةُ مَتَى نَكَلُوا عَنْ الْأَيْمَانِ فِيهَا حُبِسُوا كَذَلِكَ حَبْسُ النَّاكِلِ عَنْ اللِّعَانِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ إيجَابُ الْحَدِّ بِالنُّكُولِ وَفِيهَا إيجَابُ الْحَبْسِ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النُّكُولَ يَنْقَسِمُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا بَدَلٌ لِمَا اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهِ وَإِمَّا قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَبَدَلُ الْحُدُودِ لَا يَصِحُّ وَمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْحَدِّ بِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النُّكُولَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَرِيحَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ الْحَدِّ بِهِ كَالتَّعْرِيضِ وَكَاللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلزِّنَا وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى الْمُقِرِّ وَلَا عَلَى الْقَاذِفِ فَإِنْ قِيلَ

فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَعَظَ الْمَرْأَةَ وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلَ

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَرَادَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا حَدَّ الزِّنَا أَوْ الْقَذْفِ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِعَذَابِ الدُّنْيَا الْحَبْسَ أَوْ الْحَدَّ إذَا أَقَرَّ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَبْسَ فَهُوَ عِنْدَ النُّكُولِ وَإِنْ أَرَادَ الْحَدَّ فَهُوَ عِنْدَ إقْرَارِهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِكْذَابِ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ النُّكُولَ يُوجِبُ الْحَدَّ دُونَ الْحَبْسِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِالنُّكُولِ وَأَيْمَانِ الزَّوْجِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَأَيْمَانِ الْمَرْأَةِ قِيلَ لَهُ النُّكُولُ وَالْأَيْمَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ الْحَدُّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ قَذْفًا أَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي الْحَدَّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بِيَمِينِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَلَا يحكم فيها بالنكول ولا يرد الْيَمِينِ.

بَابُ تَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُنْفَى الْوَلَدُ مِنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَصْدِيقُهَا إيَّاهُ بِأَنَّ وَلَدَهَا مِنْ الزِّنَا يُبْطِلُ اللِّعَانَ فَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ مِنْهُ أَبَدًا وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَنَتْ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ غَابَ زَوْجُهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَخَّرَهَا الْإِمَامُ حَتَّى وَضَعَتْ ثُمَّ رَجَمَهَا فقدم زوجها بعد ما رُجِمَتْ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ وَقَالَ قَدْ كُنْت اسْتَبْرَأْتهَا فَإِنَّهُ يَلْتَعِنُ وَيَنْتَفِي بِهِ الْوَلَدُ عَنْ نفسه ولا ينفيه هاهنا إلَّا اللِّعَانُ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ

وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْتَفِيَ أَبَدًا عَنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ فِي إلْحَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>