الآية يقتضى أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ كَافِرًا ذَا عَهْدٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إضْمَارُ الْإِيمَانِ لَهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ مُؤْمِنًا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ ذَكَرَ الْإِيمَانَ فَقَالَ فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَوَصَفَهُ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَاقْتَضَى الْإِطْلَاقُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَافِرَ الْمُعَاهَدَ تَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْآيَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكَافِرُ الْمُعَاهَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هَلْ فِيهِ كَفَّارَةٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَنَصَّ عَلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَذَكَرَ قَتْلَ الْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى وقال النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَخَصَّهُ بِالْعَمْدِ فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ مَذْكُورًا بِعَيْنِهِ وَمَنْصُوصًا عَلَى حُكْمِهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِيهِمَا إذْ غَيْرُ جَائِزٍ قِيَاسُ الْمَنْصُوصَاتِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ الْكَفَّارَةُ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي إثْبَاتِ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ النَّصِّ وَغَيْرُ جَائِزٍ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ وَأَيْضًا فَغَيْرُ جَائِزٍ إثْبَاتُ الْكَفَّارَاتِ قِيَاسًا وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ أَوْ الِاتِّفَاقُ وَأَيْضًا لَمَّا نَصَّ اللَّهُ عَلَى حُكْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْخَلَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ
فَهُوَ رَدٌّ فَمُوجِبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَامِدِ مُدْخِلٌ فِي أَمْرِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ فَهِيَ فِي الْعَمْدِ أَوْجَبُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ قِيلَ لَهُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُسْتَحَقَّةً بِالْمَأْثَمِ فَيُعْتَبَرُ عِظَمُ الْمَأْثَمِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُخْطِئَ غَيْرُ آثِمٍ فَاعْتِبَارُ الْمَأْثَمِ فِيهِ سَاقِطٌ وَأَيْضًا قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى السَّاهِي وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِدِ وَإِنْ كَانَ الْعَمْدُ أَغْلَظَ فَإِنْ احْتَجُّوا
بِحَدِيثِ ضَمْرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بن أبى عَبْلَةَ عَنْ الْعَرِيفِ بْنِ الدِّيلِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ يَعْنِي النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ قِيلَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهَانِئُ ابن عبد الرحمن ابن أَخِي إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي عَبْلَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِالْقَتْلِ
وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُ مِنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا رَوَاهُ ضَمْرَةَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute