للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى نهى عن فعل الصلاة في هذه الحال لا عن الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَمَفْهُومُ الْخِطَابِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ عُدُولٌ بِالْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ بِأَنْ تَجْعَلَ الصَّلَاةَ عِبَارَةً عَنْ مَوْضِعِهَا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ غَيْرِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ أَوْ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ يَعْنِي بِهِ مَوَاضِعَ الصَّلَوَاتِ وَمَتَى أَمْكَنَنَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ عَنْهَا إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَلَا دَلَالَةَ تُوجِبُ صَرْفَ ذَلِكَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَفِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةً الصَّلَاةُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَيْسَ لِلْمَسْجِدِ قَوْلٌ مَشْرُوطٌ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ لِتَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ السُّكْرِ وَفِي الصَّلَاةِ قِرَاءَةٌ مَشْرُوطَةٌ فَمَنَعَ مِنْ أَجْلِ الْعُذْرِ عَنْ إقَامَتِهَا عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَيْهَا مُوَافِقًا لِظَاهِرِهَا وَحَقِيقَتِهَا وقَوْله تَعَالَى إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمُسَافِرَ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُسَمَّى عَابِرَ سَبِيلٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ لَمَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ تَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُسَافِرُ عَابِرَ سَبِيلٍ لِأَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ كَمَا يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي حَالِ السَّفَرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَإِنْ كَانَ جنبا فدلت الآية على معنيين أحدهما جواز التَّيَمُّمُ لِلْجُنُبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَالصَّلَاةُ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ كَوْنِهِ مُتَيَمِّمًا فَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الِاجْتِيَازِ فِي الْمَسْجِدِ وقَوْله تَعَالَى حَتَّى تَغْتَسِلُوا غَايَةٌ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَايَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ دَاخِلَةٌ فِي الْحَظْرِ إلَى أن يستوعبها بوجوب الِاغْتِسَالِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ غُسْلِهِ شَيْءٌ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ وَإِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَخَافُهُ فهذا يدل عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ مِنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ أَوَّلِ اللَّيْلِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ إلَى غَايَةٌ كَمَا أَنَّ حَتَّى غَايَةٌ وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْكَلَامِ تَارَةً وَخُرُوجُهَا أُخْرَى وَحُكْمُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلَالَةِ فِي دُخُولِهَا أَوْ خُرُوجِهَا وَسَنَذْكُرُ أَحْكَامَ الْجَنَابَةِ وَمَعْنَاهَا وَحُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إذَا انْتَهَيْنَا إلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَوْله تَعَالَى آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>