الزِّنَا قِيلَ لَهُ وَهَذَا غَلَطٌ أَيْضًا لِأَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ وَحْدَهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لَا تُوجِبُ كَوْنَهَا زَانِيَةً كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهَا عَلَيْهِ بِالْإِكْذَابِ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِالْكَذِبِ فِي قَذْفِهِ إيَّاهَا إذْ لَيْسَتْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَحْكُومًا لَهُ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لَوَجَبَ أَنْ تُحَدَّ حَدَّ الزِّنَا فَلَمَّا لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهَا بِالزِّنَا بِقَوْلِ الزَّوْجِ والله أعلم بالصواب.
[باب حد القذف]
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِحْصَانُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ الْإِحْصَانُ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَفِيفًا وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْصَنَاتِ بِالذِّكْرِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمُحْصَنِينَ مُرَادُونَ بِالْآيَةِ وَأَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَى قَاذِفِ الرَّجُلِ الْمُحْصَنِ كَوُجُوبِهِ عَلَى قَاذِفِ الْمُحْصَنَةِ وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أن قوله وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَإِنْ كَانَ فِي فَحْوَى اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُحْصَنَاتِ وَهُنَّ الْعَفَائِفُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّمْيِ رَمْيُهَا بِضِدِّ الْعَفَافِ وَهُوَ الزِّنَا وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ دَلَالَةِ فَحْوَى اللَّفْظِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ يَعْنِي عَلَى صِحَّةِ مَا رَمَوْهُ بِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مِنْ الشُّهُودِ إنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ فِي الزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ مَعْنَاهُ يَرْمُونَهُنَّ بِالزِّنَا وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْقَذْفَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إنَّمَا هُوَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَهُوَ الَّذِي إذَا جَاءَ بِالشُّهُودِ عَلَيْهِ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا مَا فِي فَحْوَى اللَّفْظِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الرَّمْيِ مَخْصُوصًا بِالزِّنَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَقَعُ الرَّمْيُ بِهَا إذْ قَدْ يَرْمِيهَا بِسَرِقَةٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَكُفْرٍ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمَحْظُورَةِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ حُكْمِهِ بَلْ كَانَ يَكُونُ مُجْمَلًا مَوْقُوفَ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيَانِ إلَّا أَنَّهُ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ الْحَالُ فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ بِالزِّنَا مُرَادٌ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ بِالزِّنَا إذْ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الزِّنَا مُرَادٌ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِهِ فِي اللَّفْظِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ حَدِّ الْقَذْفِ مقصورا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute