للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَاهِرُهَا أَنَّهَا اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ مُرَادَةٌ مَعَهَا وَلَكِنْ غُلِّبَتْ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ شُهُورِ الْأَهِلَّةِ بِاللَّيَالِيِ مُنْذُ طُلُوعِ الْأَهِلَّةِ فَلَمَّا كَانَ ابْتِدَاؤُهَا اللَّيْلَ غُلِّبَتْ اللَّيَالِي وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ دُونَ الْأَيَّامِ وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ وَلَوْ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الْأَيَّامِ أَفَادَتْ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَاكْتَفَى تَارَةً بِذِكْرِ الْأَيَّامِ عَنْ اللَّيَالِي وَتَارَةً بِذِكْرِ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ إذَا أُطْلِقَ أَفَادَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الْعَدَدَانِ مِنْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ فِي قَوْله تعالى سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ صُمْنَا عَشْرًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَيُعَبِّرُونَ بِذِكْرِ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ لأن عشرا لا تكون إلا الليالى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ فِيهَا إلَّا التَّذْكِيرُ وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

أَقَامَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... وَكَانَ النَّكِيرُ أَنْ تَضِيفَ وَتَجْأَرَا

فَقَالَ ثَلَاثًا وَهِيَ اللَّيَالِي وَذَكَرَ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ فِي الْمُرَادِ وَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا كَانَ قَوْله تَعَالَى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً مُفِيدًا لِكَوْنِ الْمُدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ الِاعْتِبَارِ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ زَائِدَةً عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْعَدَدِ وَارِدًا بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ.

ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَيْتِهَا

قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تَنْتَقِلُ الْمَبْتُوتَةُ وَلَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عَنْ بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ وَتَخْرُجُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالنَّهَارِ وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا وَلَا تَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَنْتَقِلُ الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ وَلَا الرَّجْعِيَّةُ وَلَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَا يَخْرُجْنَ بِالنَّهَارِ وَلَا يَبِتْنَ عَنْ بُيُوتِهِنَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْدَادُ فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَيَّ بَيْتٍ كَانَتْ فِيهِ جَيِّدًا أَوْ رَدِيًّا وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ فِي الزِّينَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَحَظَرَ خُرُوجَهَا وَإِخْرَاجَهَا فِي الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِينَةٍ وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ الْعُذْرِ فَأَبَاحَ خُرُوجَهَا لِعُذْرٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَاحِشَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَسَنَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إن شاء الله تعالى وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى

<<  <  ج: ص:  >  >>